المداعة

من قنبوس موسوعة التراث
مراجعة ١١:٠٤، ٩ ديسمبر ٢٠١٩ بواسطة qanbus>LoayAmin

‏المداعة.. ذاكرة اليمن المنسية

تسكن المداعة وحيدة في بيت الكلام، تحضنها قصبة بين الماء والنار. في أسفل قطبها، حيث يعوم طيف للنرجس يحلم التاريخ هانئاً، تحت هلال تقوس في شكل وسادة تتكئ عليها القصبة. للقصبة جسد ليس لهذا الهلال، وليس لها، هو لشخص آخر.. حرك شفتيك قد يكون أنت".

عدن 1875

‏بهذه الكلمات وقع الشاعر السوري الكبير أدونيس في غرام المداعة، وقال للجميع في ديوانه الشعري "المهد": اجلسوا لكي أقُصَّ عليكم نبأ الدخان"، وكغيره ممن قدموا من الخارج إلى اليمن، فُتن بهذا الهيكل النحاسي الذي يقف شامخاً على "المعشرة النحاسية"، وفي الدخان يتمثل وجه اليمن القديم والحديث ولا يتلاشى.

‏تختلف المداعة اليمنية والمصنوعة يدوياً عن "النارجيلة" المنتشرة في بلاد الشام ومصر ودول المغرب العربي، وحتى فترة زمنية قصيرة، لم يخلُ بيت يمني تقريباً في شمال البلاد وجنوبها من هذه المداعة المقدسة والتي صنعها اليمنيون لصناعة المزاج أو "الكيف" الاستثنائي، خاصةً بالنسبة إلى كبار السن، الذين لم تفارق المداعة "مجالس القات" الخاصة بهم.

‏والمداعة، أو المَدْعة تعني في القاموس المحيط للفيروز أبادي: النارجيل المفرغ من لُبّه يُغتَرَف به، ومنها سميت النارجيلة، أو النرجيلة، أو الأرجيلة بوصفها المعاصر، وتُعتبر المداعة كلمة عربية طغى عليها المسمى الفارسي "الشيشة". ويُعتقد حسب القاموس، أن كلاً من المداعة والشيشة وحتى الجَوزة، قد اشتُقَّت جميعها من "قشرة جوز الهند".

‏تتألف المداعة من قطعة نحاسية مجفوة ومكسوة من الداخل بالخشب اسمها "الجحلة". يتم ملء هذه القطعة بالماء ووضعها على جلاس نحاسي، وتوصل من فتحتها في الأعلى بعمود خشبي أسطواني "القطب" وهو مجوف مغطى من الخارج بزخارف رصاص وينتهي برأس أسطواني مفتوح من الأعلى.

‏ركن آخر في جسم المداعة هو "القصبة" التي بها يُشفط الهواء، وهي مصنوعة من هيكل حديدي حلزوني ومغطى بالجلد والقماش ولها رأسان من الخشب المزخرف يوصل أحدهما بالمداعة والثاني يستخدم للشفط، فيما الركن الأخير، العلوي، هو البُوْري الذي يتم فيه وضع "التمباك" الذي يحتوي على نسبة عالية جداً من النيكوتين إضافةً إلى مواد شديدة السمية، ويُعرف التمباك بأن له أنواعاً عدة منها البشاري والعدني، وبدلاً من المعسل الرائج في الشام ومصر، يستعمل اليمنيون التبغ المجفف.

‏وقد شدا في المداعة على سبيل الغزل شعراء كُثُر على غرار الشاعر اللحجي القمندان الذي قال في ديوانه:

‏ليتني قُمْري سَجَع في يراعه

‏ليتني عندهم بايطرحوني وداعه

‏ليتني في السَّمَر بُوري براس المداعه

‏ليتني بَنْجَري في معصمه أو ذراعه

‏ويورد الأكاديمي حميد عمر في كتابه "اليمن في الذاكرة الفرنسية" أنَّ مدينة الحديدة التي أصبحت المركز التجاري البحري الوحيد لبلاد اليمن العثمانية، منذ تدهور ميناءي اللحية والمخا، كانت ضواحيها الجنوبية والشرقية منتشرة فيها العشش مثل بقية المناطق التهامية، وتحتوي جميعها على الأثاث نفسه تقريباً، والذي يتكون في الغالب من بضعة كراسٍ وأسِرة (عبارة عن إطار خشبي محمول على أربعة أرجل وتتوسطه حبال مشدودة) ومرافع تُستخدم كطاولات، والشيء الأهم وهو (المداعة).

‏إلا أن المداعة توارت عن المشهد اليمني كاملاً خلال السنوات الأخيرة التي طغى فيها إدمان الشيشة فضلاً عن السجائر، فأصبحت المداعة في الكثير من بيوت اليمنيين محض ديكور إضافي إلى شكل المجلس اليمني الذي يمضغون فيه القات.

بواسطة: ‏عمار الشامي