الشرح البيضاني

من قنبوس موسوعة التراث
مراجعة ١٠:٥١، ٥ يوليو ٢٠١٩ بواسطة qanbus>LoayAmin (أنشأ الصفحة ب'الشرح البيضاني تعبير عن الفتوة والبسالة والتلاحم بين أفراد القبيلة وابتهاجهم وعزتهم. يقوم ا...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

الشرح البيضاني تعبير عن الفتوة والبسالة والتلاحم بين أفراد القبيلة وابتهاجهم وعزتهم. يقوم الراقصون فيها بمجاراة ومسايرة بعضهم البعض فيما يشبه الهرولة، بغض النظر عن أعمارهم ومقاماتهم، للتعبير عن وحدة الأفراد وتساويهم. وبهذا تتجرد رقصة الشرح البيضانية من التنافس واستعراض الذات، وتتمركز حول ابراز وحدة وتماسك القبيلة. لهذا نرى الراقص وكأنه مرآة للأخر، لا يتفوق ولا يتأخر على رفيقه بل يطابقه ويشابهه، فيجاري الرجل الطفل والطفل يجاري الرجل. وإذا لم يكن التطابق للحركات حرفياً فيكون مكملاً وموفياً، يدور الراقص بينما يراقبه الآخر، وكأنه يقوم بحراسته حتى ينتهي. هذا في حد ذاته من أبلغ التعابير الفنية عن وحدة الأفراد وتماسك نسيجهم.

بالاضافة إلي التداول والتبادل، يتميز الشرح البيضاني بقفزات ووثبات سريعة ومرتفعة وحركات دائرية وهرولة تتطلب لياقة بدنية عالية وسرعة في مسايرة الآخر والتناغم معه، فتبدو بذلك رياضة جسدية للمحترفين، وليس مجرد رقصة للمرح. يتم هذا من خلال التجمع أولاً فيما يشبه الحلقة، يدخل الراقصون فيها بشكل ثنائي بينما تقرع الطبول والمزامير، تماماً كما هو الحال في رقصة الشرح الحضرمي، إلا أنها تخلو من التصفيق ومن القيادة. ففي الشرح الحضرمي التقليدي الجميل، تكون القيادة للمشترحة، والتي ترتدي حزاماً فضياً رناناً تخطو به بشكل شبه منتظم بين المشترحين والمُزمّر، ويكون التصفيق للمشترحين حولها.

ومن الجميل والمدهش في الشرح البيضاني هو أن الراقص يمضي في الهرولة ويده اليمنى تشير نحو السماء، مما يمنح الرقصة صبغة روحانية أثيرية، وكأنه يخاطب بهذه الحركة ذاتاً أعظم من ذاته مشيراً إلى قدرة أعظم من قدرته ويتصل بهذه الذات ليستمد منها القوة التي هو عليها وليستمر في مُضيه.

الشرح البيضاني أيضاً يعرف بالـ"بيحانية" و الـ “الحميقانية” نسبة لقبيلة آل حميقان العريقة. إلا أن آل حميقان أضفوا عليها بعداً حربياً، فنراهم “يشترحون” وهم يحملون البنادق في طلعاتهم ورقصاتهم ويشهرون الجنابي (الخناجر) فيما يشبه رقصة البرع حربية الطبيعة، وبهذا تصبح الرقصة مزيجاً مابين الشرح والبرع، يقل فيها القفز ويخف ويكاد ينعدم و يختفي تأثير المرآة، الذي تحدثنا عنه قبل قليل. لكنها تلتزم بالمجاراة والمسايرة في الكر والفر السريعين ولا تلتزم بالثنائية فقد تكون ثلاثية أو جماعية، لذا نراهم يرقصونها كقبيلة في طقوسهم الخاصة للتشديد على قوتهم وتلاحمهم.

وهناك ما تُعرف أيضاً بالـ "عسكرة" والتي تنسب لآل مظفر أحياناً. إلا أن العسكرة يقل فيها الكر والفر وتخف فيها السرعة ويكون الهبوط من القفزات خفيفاً، قامة الراقص فيها لا تزال منتصبة، بينما في الشرح البيضاني الكلاسيكي يهبط الراقص بكل ثقلة من قفزته ليعود مرة أخرى إلى الهواء في قفزة جديدة. الرقصات في اليمن قواسمها المشتركة كثيرة ما يجعل التفريق بينها صعب وغالباً مُهمل. لا يُثار الكثير من الجدل حول إسم الرقصات أو نوعها لأن الرقص في اليمن لم يحصل على نصيبه من البحث والتدقيق والتوثيق. السبب الأساسي والأهم، هو كون الرقص فعل حدس تلقائي، وإن كان هذا الخلط يدل عن شيء فإنما يدل على انعدام التفرقة بين أفراد البلاد بمختلف مناطقها.

الدلالات الجسدية في الرقص اليمني لا تختلف عن تلك في معظم رقصات العالم. فالرقص تعبير روحاني عن العلاقة الإنسانية بين الفرد ومجتمعه وبين الفرد والوجود. فالدوران في رقصة الشرح (خاصة في منطقة يافع حيث يسميها أهل يافع “السفيخ”) هو تعبير الإنسان عن اتصاله بحركة الأرض الدائرية. أما الكر والفر فهو تعبير الفرد عن حالته الوجودية، بكونه انساناً ينجح ويخفق كما هي طبيعته، وبقدرته على مجاراة إيقاع الحياة فهو جزء لا يتجزأ من هذا الوجود.

كتب هذه المقالة: مريم القحطاني